فصل: تفسير الآيات (26- 27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (25):

{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25)}
أخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار في قوله: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} قال: مقام داود عليه السلام يوم القيامة عند ساق العرش، ثم يقول الرب جل وعلا «يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في الدنيا فيقول: يا رب كيف وقد سلبته؟ فيقول: إني راده عليك اليوم، فيندفع بصوت يستفز نعيم أهل الجنة».
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب أنه قال: {وإن له عندنا لزلفى} أول الكائن يوم القيامة داود، وابنه عليهما السلام.
وأخرج عبد بن حميد عن السدي بن يحيى قال: حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب؛ أن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد، فينادي المنادي داود، فيسقي على رؤوس العالمين، فهو الذي ذكر الله {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه ذكر يوم القيامة، فعظم شأنه وشدته قال: ويقول الرحمن لداود عليه السلام مر بين يدي فيقول داود: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي. فيقول خذ بقدمي، فيأخذ بقدمه عز وجل، فيمر قال فتلك (الزلفى) التي قال الله: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}».
وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير رضي الله عنه {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} قال: يدنو حتى يضع يده عليه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه فغفرنا له ذلك الذنب {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} قال حسن: المنقلب.
وأخرج الحكيم الترمذي عن مجاهد رضي الله عنه قال: يبعث داود عليه السلام يوم القيامة وخطيئته في كفه، فإذا رآها يوم القيامة لم يجد منها مخرجاً إلا أن يلجأ إلى رحمة الله تعالى، ثم يرى فيقلق. فيقال له: ههنا. فذلك قوله: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}

.تفسير الآيات (26- 27):

{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)}
أخرج الثعلبي من طريق العوّام بن حوشب قال: حدثني رجل من قومي شهد عمر رضي الله عنه، أنه سأل طلحة، والزبير، وكعباً، وسلمان، ما الخليفة من الملك قال طلحة والزبير: ما ندري! فقال سلمان رضي الله عنه: الخليفة الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله، ويقضي بكتاب الله تعالى. فقال كعب: ما كنت أحسب أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري.
وأخرج ابن سعد من طريق مردان عن سلمان رضي الله عنه؛ أن عمر رضي الله عنه قال له: أنا ملك أم خليفة؟ فقال له سلمان رضي الله عنه: الخليفة الذي يعدل إن أنت جَبَيْتَ من أرض المسلمين درهماً، أو أقل، أو أكثر، ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة، فاستعبر عمر رضي الله عنه.
وأخرج ابن سعد عن ابن أبي العرجاء قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً، ولا يضعه إلا في حق، وأنت الحمد لله كذلك. والملك يعسف الناس، فيأخذ من هذا ويعطي هذا.
وأخرج ابن سعد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن الامارة ما ائتمرتها، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف.
وأخرج الثعلبي عن معاوية رضي الله عنه، أنه كان يقول إذا جلس على المنبر: يا أيها الناس إن الخلافة ليست بجمع المال، ولكن الخلافة العمل بالحق، والحكم بالعدل، وأخذ الناس بأمر الله.
وأخرج الحكيم الترمذي عن سالم مولى أبي جعفر قال: خرجنا مع أبي جعفر أمير المؤمنين إلى بيت المقدس، فلما دخل وشق بعث إلى الأوزاعي، فأتاه فقال: يا أمير المؤمنين حدثني حسان بن عطية عن جدك ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} قال: إذا ارتفع إليك الخصمان، فكان لك في أحدهما هوى، فلا تشتهِ في نفسك الحق له، فيفلح على صاحبه، فأمحو اسمك من نبوتي، ثم لا تكون خليفتي، ولا كرامة. يا أمير المؤمنين حدثنا حسان بن عطية عن جدك قال: من كره الحق فقد كره الله، لأن الحق هو الله. يا أمير المؤمنين حدثني حسان بن عطية عن جدك في قوله: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} [ الكهف: 49] قال: الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك فكيف ما جنته الأيدي؟
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فاحكم بين الناس بالحق} يعني بالعدل والانصاف {ولا تتبع الهوى} يقول: ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على الحق والعدل، فتزوغ عن الحق، فيضلك عن سبيل الله.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} قال: هذا من التقديم والتأخير. يقول: لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي السليل رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام يدخل المسجد، فينظر أغمض حلقة من بني إسرائيل، فيجلس إليهم ثم يقول: مسكيناً بين ظهراني مساكين.
وأخرج أحمد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه، أن ابنا لداود مات، فاشتد عليه جزعه، فقيل ما كان يعدل عندك؟ قال: كان أحب إليَّ من ملء الأرض ذهباً. فقيل له: إن الأجر على قدر ذلك.
وأخرج عبد الله في زوائده والحكيم الترمذي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كان من دعاء داود عليه السلام: سبحان مستخرج الشكر بالعطاء، ومستخرج الدعاء بالبلاء.
وأخرج عبد الله عن الأوزاعي رضي الله عنه قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام «الا أعلمك علمين إذا عملتهما ألقيت وجوه الناس إليك، وبلغت بهما رضاي. قال: بلى يا رب قال احتجز فيما بيني وبينك بالورع، وخالط الناس باخلاقهم».
وأخرج أحمد عن يزيد بن منصور رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام إلا ذاكر لله فاذكر معه، إلا مذكر فاذكر معه.
وأخرج أحمد عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام يصنع القفة من الخوص، وهو على المنبر ثم يرسل بها إلى السوق، فيبيعها فيأكل بثمنها.
وأخرج أحمد عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام إذا قام من الليل يقول: اللهم نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم الذي لا تأخذك سنة ولا نوم.
وأخرج أحمد عن عثمان الشحام أبي سلمة قال: حدثني شيخ من أهل البصرة كان له فضل، وكان له سن قال: بلغني أن داود عليه السلام سأل ربه قال: يا رب كيف لي أن أمشي لك في الأرض بنصح، واعمل لك فيها بنصح؟ قال: «يا داود تحب من يحبني من أحمر وأبيض، ولا تزال شفتاك رطبتين من ذكري، واجتنب فراش الغيبة قال: رب كيف لي أن تحببني في أهل الدنيا البر والفاجر؟ قال: يا داود تصانع أهل الدنيا لدنياهم، وتحب أهل الآخرة لآخرتهم، وتختار إليك دينك بيني وبينك، فإنك إذا فعلت ذلك لا يضرك من ضل إذا اهتديت قال: رب فأرني أضيافك من خلقك من هم؟ قال: نقي الكفين، نقي القلب، يمشي تماماً، ويقول صواباً».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام لابنه سليمان عليه السلام: أتدري ما جهد البلاء؟ قال شراء الخبز من السوق، والانتقال من منزل إلى منزل.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي، وسمعي، وبصري، وأهلي، ومن الماء البارد.
وأخرج أحمد عن وهب رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: مؤمن حسن الصورة قال: فأي عبادك أبغض إليك؟ قال كافر حسن الصورة، شكر هذا وكفر هذا قال: يا رب فأي عبادك أبغض إليك؟ قال عبد استخارني في أمر، فَخِرْتُ له، فلم يرض به.
وأخرج عبد الله في زوائده عن عبد الله بن أبي مليكة رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: إلهي لا تجعل لي أهل سوء، فأكون رجل سوء.
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن قال: بلغني أنه كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم لا تفقرني فأنسى، ولا تغنني فأطغى.
وأخرج أحمد عن الحسن رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: إلهي أي رزق أطيب؟ قال: ثمرة يدك يا داود.
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه، أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود انذر عبادي الصديقين لا يعجبن بأنفسهم، ولا يتكلن على أعمالهم، فإنه ليس أحد من عبادي أنصبه للحساب، وأقيم عليه عدلي إلا عذبته من غير أن أظلمه، وبشر الخاطئين أنه لا يتعاظم ذنب أن أغفره، وأتجاوز عنه.
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه، أن داود عليه السلام أمر منادياً فنادى: الصلاة جامعة، فخرج الناس وهم يرون أنه سيكون منه يومئذ موعظة، وتأديب، ودعاء، فلما رقي مكانه قال: اللهم اغفر لنا وانصرف، فاستقبل آخر الناس أوائلهم قالوا: ما لكم! قالوا: إن النبي إنما دعا بدعوة واحدة، فاوحى الله تعالى إليه: أن أبلغ قومك عني، فإنهم قد استقلوا دعاءك. إني من أغفر له أصلح له أمر آخرته ودنياه.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام اصبر الناس على البلاء، وأحلمهم وأكظمهم للغيظ.
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام يا رب كيف أسعى لك في الأرض بالنصيحة؟ قال: تكثر ذكري، وتحب من أحبني من أبيض وأسود، وتحكم للناس كما تحكم لنفسك، وتجتنب فراش الغيبة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبد الله الجدلي رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني، وقلبه يرعاني. إن رأى خيراً دفنه، وإن رأى شراً أشاعه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الجار السوء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن بريدة رضي الله عنه، أن داود عليه السلام كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني، وهم يرديني، وفقر ينسيني، وغنى يطغيني.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: أحبب عبادي، وحببني إلى عبادي قال: يا رب هذا أحبك، وأحب عبادك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال تذكرني عندهم، فإنهم لا يذكرون مني إلا الحسن.
وأخرج أحمد عن أبي الجعد رضي الله عنه قال: بلغنا أن داود عليه السلام قال: إلهي ما جزاء من عزى حزيناً لا يريد به إلا وجهك؟ قال: جزاؤه إن ألبسه لباس التقوى قال: إلهي ما جزاء من شيع جنازة لا يريد بها إلا وجهك؟ قال: جزاؤه أن تشيعه ملائكتي إذا مات، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال: إلهي ما جزاء من أسند يتيماً أو أرملة لا يريد بها إلا وجهك؟ قال جزاؤه إن أظله تحت ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي قال: إلهي ما جزاء من فاضت عيناه من خشيتك؟ قال: جزاؤه أن أؤمنه يوم الفزع الأكبر، وأن أقي وجهه فيح جهنم.
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه قال: قرأت في مساءلة داود عليه السلام أنه قال: إلهي ما جزاء من يعزي الحزين المصاب ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أكسوه رداء من أردية الإِيمان أستره به من النار، وأدخله الجنة قال: إلهي فما جزاء من شيع الجنازة ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن تشيعه الملائكة يوم يموت إلى قبره، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال: إلهي فما جزاء من أسند اليتيم والأرملة ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أظله في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي قال: إلهي فما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه؟ قال: جزاؤه إن أحرم وجهه على النار، وأن أؤمنه يوم الفزع الأكبر.
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام لسليمان: كن لليتيم كالأب الرحيم، وأعلم أنك كما تزرع تحصد، واعلم أن خطيئة أمام القوم كالمسيء عند رأس الميت، واعلم أن المرأة الصالحة لأهلها كالملك المتوّج المخوّص بالذهب، واعلم أن المرأة السوء لأهلها كالشيخ الضعيف على ظهره الحمل الثقيل، وما أقبح الفقر بعد الغنى، وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى، وإن وعدت صاحبك فانجز ما وعدته، فإنك إن لا تفعل تورث بينك وبينه عداوة، ونعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك، وإذا نسيت لم يذكرك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحسن رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام يقول: اللهم لا مرض يفنيني، ولا صحة تنسيني، ولكن بين ذلك.
وأخرج عبد الله بن زيد بن رفيع قال: نظر داود عليه السلام مبخلاً يهوي بين السماء والأرض فقال: يا رب ما هذا؟ قال: هذه لعنتي، أدخلها بيت كل ظلام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبزى رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: نعم العون اليسار على الدين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: يا رب طال عمري، وكبر سني، وضعف ركني، فأوحى الله إليه «يا داود طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله».
وأخرج الخطيب من طريق الأوزاعي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: أُعطي داود عليه السلام من حسن الصوت ما لم يُعْطَ أحد قط، حتى إن كان الطير والوحش حوله حتى تموت عطشاً وجوعاً، وإن الأنهار لتقف. والله أعلم.